“رسم معالم تخطيط استراتيجي للإنعاش الاقتصادي آفاق 2024/2025/2030 مع تشديد مكافحة البيروقراطية”
يعتبر الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول أن فهم مسار التضخم الداخلي في الجزائر يقتضي ربطه في آن واحد بالتضخم العالمي والتوازنات الاقتصادية والاجتماعية الكلية وفقا لرؤية ديناميكية وبتوزيع الأجور حسب الفئات وتطورها لتحديد حقيقي للقدرة الشرائية، مؤكدا أن التضخم الذي يعد مشكلة معقدة وتحاول كل حكومة التوفيق بين الفعالية الاقتصادية وضرورة التماسك الاجتماعي وهي مشكلة لا تمس الجزائر فقط ولكن اغلب البلدان مثلما تشير إليه مطالب الأجور عبر العالم.
وفي تحليل لمختلف جوانب التضخم يحصي الخبير مبتول سبعة 7 أسباب مترابطة تشرح المسار التضخمي، أولها نمو السكان في الجزائر مع احتياجات متزايدة. فقد تطور عدد السكان ليصل وفقا للإحصاء 46 مليون نسمة في 2024 بمعدل نمو سنوي 1.42% وتمثل الجزائر 0,569% من إجمالي سكان العال.
والسبب الثاني يتمثل في التضخم المستورد وحسب صندوق النقد الدولي فان التضخم العالمي يتراجع بانتظام من 8,7% في 2022 إلى 6,9% في 2023 ليصل 5,8% في 2024 بفعل تشديد السياسة النقدية مستفيدة من انخفاض الأسعار الدولية للمنتجات الأساسية، ومن ثمة فان الجزائر تتأثر لكون 85% من احتياجات الأسر والمؤسسات العمومية والخاصة، التي لا يتجاوز معدل الاندماج فيها 15% ، تأتي من الخارج (استيراد). وهنا تطرح مسالة الأمن الغذائي العالمي فعلاوة على تداعيات الغير المناخي هناك أسعار المنتجات الفلاحية التي عرفت ارتفاعا خاصة منذ أزمة أوكرانيا. غير انه بالرغم من زيادة طفيفة لأسعار الحبوب فان مؤشر الأسعار العالمية حسب منظمة التغذية العالمية (فاو) انخفض في 2023 بحوالي 10% مقارنة بسنة 2022 ومؤشر أسعار المواد الغذائية بـ 13,7% لكن مع عودة ارتفاع نسبي في 2024 بفعل التوترات الجيواستراتيجية خاصة في منطقة البحر الأحمر (انخفاض الحركة في قناة السويس بحوالي 40 % ) إذ تضاعفت كلفة الحاوية مرتين إلى ثلاث حسب المسافات مما ينجر عنه ارتفاع في أسعار المنتجات المستوردة.
أما السبب الثلاث وراء التضخم فيتعلق بعجز الميزانية فلتحقيق هذا التوازن حسب صندوق النقد الدولي (أفامي) وبالرجوع إلى قانون المالية 2023 فان الجزائر تحتاج إلى سعر برميل بحوالي 149,2 دولار حسب تقرير أكتوبر 2022 مقابل 135 دولار للفترة 2020/2021 و 100/109 للفترة 2019/2020. وفي قانون 2024 يتوقع زيادة تاريخية للنفقات بـ 15.275,28 مليار دينار خلال سنة 2024 فيما يتوقع أن تكون الإيرادات حوالي 9.105,3 مليار دينار.
السبب الرابع هو ضعف الإنتاج والإنتاجية مقارنة بين النفقات العمومية والآثار الاقتصادية وحسب الوزارة الأولى يشير الخبير مبتول فان تطهير المؤسسات العمومية كلف خزينة الدولة حوالي 250 مليار دولار خلال الثلاثين سنة الماضية إلى نهاية 2020 منها أكثر من 90% عادت إلى نقطة الانطلاق وأكثر من 65 مليار دولار لإعادة التقييم خلال العشر سنوات الماضية إلى 2020 بفعل ضعف التحكم في تسيير المشاريع وبالرغم من النفقات الضخمة في الفترة 2000/ 2021 بأكثر من 1000 مليار دولار استيراد سلع وخدمات فان المعدل السنوي للنمو سجل 2/3 % بينما كان يجب أن يصل 9/10% . وتبقى الآفاق الاقتصادية للجزائر مشجعة فقد راجع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي توقعاتهما لمعدل النمو نحو الارتفاع في 2023 و2024 بنسبة 4,2% لكن يبقى ذلك مرتبطا بأسعار المحروقات ومشتقاتها. لكن بالنسبة للجزائر يجب بلوغ معدل نمو بـ 8 إلى 9 % سنويا على مدى سنوات من اجل استيعاب الطلب على العمل 350/400 ألف سنويا مع نسبة البطالة.
فيما السبب الخامس للتضخم فيتمثل في تخفيض قسمة الدينار التي بلغت في 11 مارس 2024 وفقا لبنك الجزائر 134,38 دينار مقابل 1 دولار و146,91 دينار مقابل 1 يورو. ويسمح التخفيض الرسمي للعملة بزيادة اصطناعية للضرائب المحصلة من المحروقات (تحويل الصادرات بالدينار) والضرائب العادية وينجر عن معادلة التحويل ارتفاع للتضخم بالنسبة للمواد المستوردة (تجهيزات) مواد أولية وسلع جاهزة فمعدل الرسوم الجمركية يطبق على القيمة بالدينار يتحملها المستهلك كضريبة غير مباشرة ولا يمكن للمؤسسة تحملها إلا عن طريق تحسين إنتاجيتها.
أما السبب السادس في تحليل الخبير مبتول فيتعلق بأهمية السوق الموازية التي لا تخضع لرقابة وزارة التجارة فعدد كبير من المواد عير المدعمة تصطف على قيمة سعر السوق الموازي للعملة الصعبة (في 10 مارس 2024 أكثر من 240 دينار مقابل 1 يويو و222 دينار مقابل 1 دولار للبيع). ويمثل الفضاء الموازي في الجزائر حوالي 33/37% من النتاج الداخلي الخام وأفادت مذكرة لبنك الجزائر عن شهر فيفري 2024 أن التداول الائتماني خارج البنوك يمثل 33,35% من الكتلة الإجمالية في الجزائر أي ما يعادل حوالي 6712 مليار دينار إلى نهاية ديسمبر2021 ويعكس هذا لجوء مقاولين وكبار تجار وأسر ووسطاء للدفع نقدا من أجل اقل تتبع لحركة الأموال وبالتالي التهرب من الضرائب بينما في البلدان المتطورة لا تتعدى النسبة 4/5% من إجمالي الكتلة النقدية. ولم تتمكن المالية السلامية إلى نهاية 2023 من جلب سوى 8% من المبلغ الإجمالي للسوق الموازية في انتظار ما تحققه عملية فتح رأسمال بنك التنمية المحلية والقرض الشعبي الجزائري.
والسبب السابع لظاهرة التضخم يوضح مبتول انه يخص التهرب الضريبي والرشوة عبر تضخيم الفواتير والترهيب للسلع المدعمة ما ينعكس على السعر النهائي للسلع ويضاعف من التضخم. وقد صرحت المديرة العامة للضرائب في 4 افريل 2023 أن 6000 مليار دينار من الضرائب لم يتم تحصيلها ما يعادل 43,79 مليار دولار على أساس سعر 137 دينار لـ 1 دولار.
وبعد التوقف عند مكاتب الصرف بعد اعتماد أكثر من 40 منها والتي لم تنطلق في النشاط وتتطلب العملية مبادرة تدرجية أكد الخبير عبد الرحمان مبتول أن الوضع الاقتصادي الكلي مستقر نسبيا بفضل إيرادات المحروقات واحتياطي العملة الصعبة المقدرة إلى نهاية 2023 بت 73 مليار دولار واحتياطي للذهب بـ 173 طن ومديونية خارجية متدنية اقل من 1,6% من النتاج الداخلي الخام داعيا إلى رسم معالم تخطيط استراتيجي للإنعاش الاقتصادي آفاق 2024/2025/2030 مع تشديد مكافحة البيروقراطية التي تخنق الطاقات الخلاقة في ظل تكريس أخلقة الحياة العامة.
سعيد بن عياد