الأستاذ قادري أعمر*
يشكل نشر وتكريس الثقافة القانونية في أوساط المجتمع أحد الرهانات التي يستوجب أن يتعامل معها الإعلام من خلال العمل على إيصال رسالتها إلى المواطن لتمكينه من اكتساب مناعة قانونية تسمح له بمواجهة التحديات الاجتماعية بحيث يمكن صون الحقوق وحماية الحريات تحت مظلة القانون.
في هذا السياق وتعميما للفائدة تنشر جريدة “العصر نيوز” في عددها الأول دراسة أعدها الأستاذ قادري أحمد حول قانون الأسرة باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع، منطلقا في الغوص في أحكامه من بوابة القانون المدني. وفيما يلي الحلقة الأولى.
*السيرة الذاتية
قادري أعمر من مواليد 1953 بقرية بيشر تمقرة أقبو بجاية
مستوى ماجستير قانون جنائي 1987. خبرة ميدانية في مجال الضبطية القضائية 27 سنة (وزارة الداخلية)
أستاذ متعاقد في جامعة التكوين المتواصل وكلية العلوم الإسلامية جامعة الجزائر 2013 إلى 2016
مقالات في مجلة الشرطة 1995 إلى 2009 الجريمة وإجراءات الاستدلال
مؤلفات في القانون الجزائي العام والإجراءات الجزائية دار هومه 2013 إلى 2017
الحلقة الاولى
مقدمة: أحكام القانون المدني هي الأصل في تنظيم حالة الشخص وأمواله ثم جاءت مرحلة استقلال الأحوال الشخصية وما يرتبط بها من مسائل في نص تشريعي خاص تضمن قانون الأسرة .
تنص المادة 71 من الدستور2020:” تحظى الأسرة بحماية الدولة “.
تتجسّد حماية الدولة للأسرة من خلال القوانين والأنظمة التي تصدرها من أجل حماية الفرد بصفة خاصة والعائلة بصفة عامة وهذه العائلة التي بدورها تتكاثر لعدة أسر جديدة ومؤسسات عمومية، فالعائلة هي الأصل والعنصر الأساسي في تكوينه.
وتلك القوانين التي تسنها الدولة تكون من أجل:
1- تنظيم علاقة الفرد بدولته بما تتمتع به من سيادة في العلاقات الخارجية مع الدول نظرا للامتيازات التي تتميز بها وهذا ما يعرف بقواعد القانون العام .
2- تنظم هذه القواعد علاقة الأفراد فيما بينهم أو بينهم وبين دولتهم وهذا ما يعرف بالقانون الخاص والذي يتجسد بصفة خاصة في عدة قوانين أهمها القانون المدني الذي يهتم بمجموعتين من العلاقات:
(أ)-العلاقات الشخصية: وهي تتعلق بالأحوال الشخصية أي مجموعة من الصفات المدنية والمهنية والمواطنة التي تؤثر على ممارسة وتمتع الشخص بحقوقه وهي تعكس الشخصية القانونية للفرد .
وعليه فعندما نتعرف على الحالة نستطيع معرفة الكفاءة أي استعداد الفرد للتصرف وممارسة الحقوق، ولتشخيص الفرد في القانون يجب تحديد وضعه القانوني والمكانة التي يحتلها الفرد في المجتمع والعائلة وهناك ثلاثة مظاهر:
(أ1)- حالته المدنية ( النسب والسن )
(أ2)- وضعه المهني ( حقوقه وواجباته كعامل )
(أ3)- وضعه السياسي( الجنسية )
وعند معرفة الحالة يمكن معرفة الكفاءة أي ممارسة الحقوق .
(ب)- العلاقات المالية: تمثل الحقوق في مفهومها العام فكل شخص صاحب ذمة مالية واحدة. وتنتقل إلى الورثة .
وهي تتضمن نوعين من الحقوق: أي مجموعة من الحقوق (شخصية وعينية ) والالتزامات (ديون). فالحق المالي هو شيء أو أداء خدمة فهي قد تكون:
-عينية وتعرف بالحق العيني وترد مباشرة على الشيء.
– الحق الشخصي فهو جميع الحالات عمل يقوم به المدين.ويجب أن نفرق بين:
– محل الحق وهو ذاته.
– مضمون الحق وهو السلطة الفعلية في استعمال الحق .
غير انه يمكن أن يكون الحق العيني والشخصي متحدان مثل التزام المدين بنقل الحق العيني السلطة القانونية على الشيء وهي الملكية وما يتبعها من حرية التصرف والاستغلال. أما السلطة الفعلية أو المادية على الشيء فهي حيازة وضع اليد دون وجود سند الملكية من قبل.
(ب1)- كل شخص طبيعي أو معنوي لديه ذمة مالية حتى الطفل حديث العهد بالولادة لأن الذي يهم من مفهوم الذمة المالية أكثر هو الإطار الذي يتم فيه ممارسة الامتيازات الاقتصادية للموضوع على الإمكانيات الحالية الموجودة تحت تصرفه وبناء على ذلك ما يمكن الوقوف عنده هو أن كل شخص موجود تحت هذا المظهر الاقتصادي حتى الطفل الذي لم يولد بعد (جنين في بطن أمه) فالشخص المتوفى وترك زوجته حامل فإن تقسيم التركة لا تتم إلا بولادة الشخص أو يترك له النصيب الأكبر.
(ب2)-لا يوجد ذمة مالية بدون موضوع الشخص لا يمكن له في وصيته إنشاء مباشرة مؤسسة ذات مصلحة عامة أو أعمال بل يجب إيداع هذه الممتلكات إلى وسيط ( موضوع القانون) كموصى له ( مستفيد بجزء من الميراث) للقيام بالخطوات المهمة للقيام بالعمل المتأمل للهالك (الميت).
(ب3)-الشخص له ذمة مالية واحدة. إن التاجر إذا كان في مشكل أو صعوبة مالية فلا يمكن تخصيص للدائنين التجار فقط كل المحل التجاري لا يعتبر ذمة مالية و لكن يعتبر عنصرا من الذمة المالية لذا فكل الدائنين بما فيهم التجار يمكنهم التصرف في المحل التجاري .
(ب4)- عند موت الشخص فإن الذمة المالية تؤول إلى وارثيه أو ورثته بموجب الفريضة (الوارث هو استمرار للشخص المتوفى ) أيضا هذا الوريث ملزم باحترام كل التعهدات المنعقدة من طرف المتوفى ولما كانت الذمة المالية تمثل مجموعة من الحقوق والواجبات هناك تغيرات يمكن أن تحدث فيها:
الحق الشخصي أو القانون الشخصي توجد ثلاثة عناصر تكون الحق الشخصي وهم (1)الدائن ” الأصول ” (2) مدين ” خصوم ” (3) الموضوع
الحقوق العينية: تستلزم موضوع وغرض وهي ذات قيمة مالية.
الفرق بين الحق العيني والحق الشخصي :
الحق الشخصي: لا يوجد إلا في العلاقة الموجودة بين الدائن والمدين أما الحقوق العينية تنقل بسهولة. فالمالك له إمكانية نقل بدون صعوبات الامتيازات التي يملكها على الشيء عند بيعه .
أما الحقوق الشخصية فلا يمكن نقلها فهي علاقة شخصية تقام بين الدائن والمدين .
الحق العيني موضوع للجميع لا أحد يعترض على امتيازات على شيء نملكه إذا تمت إجراءات التسجيل .
والحقوق غير المالية هي حقوق أدبية لا تقدر بمال لهذا الغرض فإن الإنسان يجب أن يتم حمايته من الجانب المادي والأدبي .
-الحقوق التي تترتب على المظهر المادي للشخصية القانونية: للشخص الحق في عدم التعرض لأي اعتداء على حياته أو صحته أو جسده كذلك بالنسبة للطبيب أو الجراح الذي يرتكب خطأ في معالجة أو جراحة شخص بدون موافقته أو أهله فيتم معاقبته. لكن السلامة الجسمانية لها حدود فالمشرع يفرض بعض التلقيحات من أجل ضمان ردع الجرائم وحوادث المرور الخطيرة. فإن المشرع في هذا المجال يفرض نزع الدم للمتسبب للجريمة المرورية. تطبق عقوبات جزائية على الأشخاص المتسببين في الأذى حتى ولو كان سبب الأذى غير إرادي أو نتيجة تهاون أو تغافل. في هذا الإطار يجب مراجعة القواعد القانونية الإنسان بريء حتى تثبت إدانته. والإنسان عليه عبء إثبات براءته في حالات جرائم المرور والجمركة.
-الحقوق التي تترتب على المظهر الأدبي للشخصية: يتعلق الأمر بضمان حماية عدد من الامتيازات المرتبطة بشخصية كل فرد. ومنها أيضا احترام خصوصية الشخص وحرمة متاعه مسكنه.
وكذا بالنسبة للمؤلفين والفنانين فلهم الحق وهو حق أدبي للفنان والكاتب فيجب أن يتصدر الحق الأدبي للمؤلف عن الفائدة المالية من عمله.
المشرع الجزائري قد حظى حماية الأسرة دستوريا باعتبارها جزء لا يتجزأ من المجتمع ثم أتبعه بإصداره قانون الأسرة رقم: 84 – 11 مؤرخ في 09 يونيو سنة 1984م المعدل والمتمم بالأمر رقم05-02-المؤرخ في 27 فبراير2005) . فقد نظم الأسرة في شؤونها وعلاقاتها الداخلية.
حيث تناول في كتابه الأول الزواج وانحلاله، (إذ بدأ بالخطبة كتمهيد للزواج حتى انحلال هذه العلاقة بالطلاق) وفي كتابه الثاني تناول النيابة الشرعية ( الولاية على الأشخاص والأموال)، وفي كتابه الثالث تناول الميراث وفي كتابه الرابع تناول التبرعات (الوصية، الهبة، الوقف).
وبناء عليه فتعريف قانون الأسرة قولا واحدا بأنه:” مجموعة القواعد التي تنظم حالة الشخص وعلاقته بأسرته وبأقاربه وبمجتمعه”.
– وتدعيما للنص الدستوري فالأسرة تحظى بحماية المجتمع من خلال الأعراف والتقاليد وكذلك مبادئ الدين الإسلامي باعتباره عنصرا هاما جدا في تنظيم وترقية الأفراد بحيث يعتبر كل انحراف عن هذه القواعد خرقا للنظام العام والآداب العامة ويتلقى المعتدي عقابه في المجتمع بنبذه حتى يتمكن الفرد أن يعيش وحده أو مع أسرته بسلام.
القرابة الأسرية
بالرجوع إلى مواد قانون الأسرة نجد أن جميع العلاقات بين أفراد الأسرة تخضع لأحكامه، هذا ما نصت عليه المادة الأولى من قانون الأسرة: “تخضع جميع العلاقات بين أفراد الأسرة لأحكام هذا القانون “.
وبالرجوع أيضا إلى المادة 2 من قانون الأسرة والتي تنص : “الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع وتتكون من أشخاص تجمع بينهم صلة الزوجية وصلة القرابة “.
1_تعريف الأسرة: تعتبر الأسرة ظاهرة دائمة التغير، إذ يمكننا اعتبارها مؤسسة اجتماعية واقتصادية تبرز في المرحلة الحاضرة كمؤسسة منظمة و قائمة على أساس علاقات القرابة الوثيقة الصلة،
كما يمكن القول أنها مؤسسة قائمة على أساس توزيع العمل بين الذكر (الزوج) والأنثى (الزوجة). فالأسرة جزء في المجتمع تؤثر وتتأثر بتغيراته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
الأسرة في الماضي ليست كما هو الحال عليه أسرة الحاضر. فعلى سبيل المثال من حيث تكوينها نجدها في الماضي كانت تضم 3 أجيال أو أكثر من جدّ(أب الأب أو أب الأم) وجدة( أم الأب أو أم الأم ) وأب وأم وأبناء. بينما اليوم أصبحت تقتصر على العموم على الأب والأم والأبناء.
وعليه فالأسرة من حيث المبدأ تتكون من أشخاص تجمعهم صلة الزوجية والقرابة.
2_الزوجان (الأب والأم): المادة 2 من قانون الأسرة ” … تتكون من أشخاص تجمع بينهم صلة الزوجية”.
فالأفراد الذين تربطهم صلة الزوجية هم كل من الزوج والزوجة أو بالأحرى الذكر والأنثى.
تتفق أغلب التشريعات الوضعية وعلى الخصوص التشريع الجزائري على أن الموافقة الزوجية أساسية لكي يبرم عقد الزواج. لكن هذا لا يمنع من أن تكون العلاقات الزوجية إذا ما تم البناء عن أن يكون تفوق الرجل وهو الطابع الأكثر شيوعا. فالرجل هو دائما رب الأسرة وتعتبر هذه ميزة العائلة العربية والإسلامية بصفة عامة والأسرة الجزائرية بصفة خاصة،
عبر مراحل تطورها التاريخي مرت الأسرة العربية بمختلف أشكال التجمعات العائلية إذ عرف نظامين:
(أ)- نظام الأمومة: كانت المرأة في العصور القديمة، المرجع الوحيد والحقيقي بسبب عدد الأبناء المولودين من أزواج متعددين فنسبوا إليها، فظهرت بالاحترام والطاعة وأصبحت صاحبة السلطة في العشيرة.
ب-النظام الأبوي: حصرت المرأة مساواتها مع الرجل إذ أصبح التمايز فيها يخص توزيع العمل الذي يقوم على أساس الجنس والعمر، فيتغلب الذكر على الأنثى والكبير على الصغير. وبسيطرة النظام الأبوي أصبح الرجل هو المعيل صاحب السلطة والاحترام والمسؤولية والإرث والانتساب، فهو رب الأسرة وسيدها.
لكن بدأ الرجل يفقد هذه الامتيازات ويتبدل موقفه من زوجته وأولاده عندما بدأت المرأة تشارك في العمل خارج المنزل لقاء أجر تساهم في تأمين حاجات الأسرة الضرورية وعليه تحول دور المرأة من وظيفة إشباع شهوة الرجل ثم إنجاب الأولاد وتربيتهم، إلى فرض هيبتها وشخصيتها، فيكون لها الحقوق والواجبات والمسؤوليات لفرض ذاتها التي للرجل دون تمييز.
كما ساهمت مبادئ الدين الإسلامي في إعطاء المرأة مكانتها التي هي عليها الآن حيث حرر المرأة من قيود المجتمع الجاهلي لتكون عضوا نافعا في المجتمع الإسلامي.
3- الأبناء: يعتبر الأبناء من أهم الأسس التي تقوم عليها الأسرة، التي تعتبر المجال الطبيعي لتربية الأطفال والتي تكون مشتركة بين الزوجين. فالرجل يقوم بالعمل من أجل كسب المال لإشباع حاجات أبنائه بقدر الإمكان وتقوم الأم بتربيتهم ورعايتهم ومشاركتها في ميزانية الأسرة.
فالأسرة تقدم للأبناء إشباعات وخيرات عاطفية قد لا توجد في أي تنظيم آخر للعلاقات الاجتماعية.
4_ دور الأسرة: و من خلال ما تقدم في حديثنا عن المرأة ( الزوجة) والرجل (الزوج) والأبناء باعتبارهم الأسس التي تتقوى بهم الأسرة فإن هذه الأخيرة حتى تستمر وتبرز في المجتمع لا بد أن تقوم على قواعد النية الأبدية الحسنة للعيش بينهما. المادة 3 من قانون الأسرة (تعتمد الأسرة في حياتها على الترابط والتكافل وحسن المعاشرة والتربية الحسنة وحسن الخلق ونبذ الآفات الاجتماعية).
فالمرأة هي إذن النصف الأخر للرجل والأحكام في العلوم الشرعية تأمر بمكارم الأخلاق والفضائل وتنهى عن سوء الخلق والرذائل،
ضمن الفضائل التي تأمر بها العفّة وهي أمانة كلّ من الزوجين للآخر فإذا تمسكا بها كانت سببا لحسن الامتزاج بينهما.
كما أن الأمانة والحياء مطلوبان عند المرأة خصوصا منه عند الرجل إذ يجب أن تكون أشدّ مما في الرجل. فإذا تخلت عنه تكون قد باعدت عن سلوك الصيانة وتلوث بذلك طهارة العائلة كما أن التمسك بهذه الفضيلة يلغي الشك بين الزوجين وتكون بذلك العشرة طيبة بينهما مما ينعكس بذلك على الأولاد من حيث تربيتهم. فالتربية تقتضي في الوالدين أن يتغذى الأبناء من أبائهم بإرشادات المرشد وذلك بتهذيب أخلاقهم وتعويدهم على التطبع بالطباع الحميدة والآداب الحسنة والأخلاق الفاضلة كما تقتضي التربية تغذية الأطفال لعقولهم بتعلم كل ما يفيدهم في الحياة اليومية.
فالتربية تكون بحسب الأصول والآداب حتى ينشأ الطفل على هيئة ثابتة ويتحصل على ملكة في طبعه ويترتب على ذلك سعادة الأسرة بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة. لأن سوء التربية سينعكس على هذا المجتمع والأسرة إذ تكون نتيجتها تفشي فساد الأخلاق وارتكاب المحرمات وإتباع الشهوات.
وعليه ينبغي أن يكون الوالدان قدوة للأبناء فيما يريدان انطباعهم عليه من التخلق بالأخلاق الحسنة.
(يتبع)
(للدراسة مراجع علمية عديدة)