صبرينة دلومي
“قم للمعلم وفِّه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا”، هكذا مدح الشاعر احمد شوقي المعلم لدور في تربية وتنشئة الأجيال، إلا أن المعلم اليوم أصبح يتعرض لاعتداءات جسدية ولفظية حتى داخل الحرم المدرسي، من طرف تلاميذ وحتى أولياء، ضاربين بذلك عرض الحائط القدسية التي تربط الأستاذ بالتلميذ.
رصدت “العصر نيوز” حالات عنف مدرسي، طالت أساتذة ومعلمين في الطورين المتوسط والثانوي بولاية قسنطينة، حيث باتت ظاهرة العنف تتكرر بشكل يومي داخل الحرم المدرسي .
أستاذة رياضيات بعين نحاس ضحية والدة تلميذ
ومن بين عشرات حالات العنف ،التي تم رصدها تعرض أستاذة مادة الرياضيات بمتوسطة بوطمين جودي بعين النحاس ببلدية الخروب، للاعتداء بالضرب على يد والدة تلميذ يدرس عندها، فقط لأنها قامت باستدعاء ولي أمره، بسبب قيامه بسلوكات مشينة داخل القسم ليكون مصيرها في الأخير الضرب المبرح، حيث أصيبت بجروح بليغة في مناطق مختلفة من جسمها، وهذه حالة فقط من بين حالات اعتداء، حيث شهدت نفس المتوسطة سابقا اقتحاما واسعا لغرباء حاملين أسلحة بيضاء، أرعبوا كل من صادفوه ما أثار الرعب والخوف وسط الطاقم التربوي، الذين عاشوا ساعات من الرعب والخوف .
هذه الحادثة أثارت استنكارا واستياء كبيرين، لدى سكان المنطقة الذين قالوا، أن الظاهرة باتت تتكرر بشكل يومي دون أن رادع.
اعتداءات طالت حتى مشرفات التربية
هي اعتداءات طالت حتى المشرفات، عند قيامهن بمهامهن، إذ تعرضت إحداهن بثانوية بودربالة بعين نحاس إلى اعتداء من طرف والدة تلميذة، بعد أن أمرتها بالتقيد بالقوانين الداخلية للمؤسسة، غير أنها رفضت ذلك جملة وتفصيلا، بحجة أنها حرة في تصرفاتها، لتتفأجا المشرفة بوالدة التلميذة تعتدي عليها بالضرب المبرح، حيث تسببت لها في حالة هستيريا يسكنها الخوف، لتنقل على جناح السرعة إلى أقرب مستشفى.
كما تعرضت مشرفة أخرى بمتوسطة مالك بن نبي ببلدية ديدوش مراد لاعتداء بالضرب المبرح على يد ولي تلميذة ، ما تسبب لها بعجز طبي.
وتعرضت أستاذة بمتوسطة بوشحم مسعود ببلدية ديدوش مراد لاعتداء جسدي ولفظي على يد تلميذها، ما تسبب لها في عجز طبي لعدة أيام.
الحادثة خلفت استياء وتذمرا وسط الطاقم التربوي بالمؤسسة، مؤكدين أن عدوى الاعتداء على الأساتذة والموظفين في قطاع التربية انتشر بشكل مخيف بولاية قسنطينة.
الظاهرة خطيرة وانتشرت في الوسط المدرسي
وفي هذا الصدد قال المكلف بالإعلام في المجلس الوطني المستقل لمديري الثانويات يزيد بوعنان، في تصريح هاتفي لـ”العصر نيوز”، إن ظاهرة العنف في المدارس خطيرة أخذت في التفشي، مرجعا انتشارها بهذا الشكل إلى عدة أسباب سوسيولوجية ونفسية من بينها، الانتشار غير المسبوق للآفات الاجتماعية مثل المخدرات والسرقة في الأحياء السكنية، مما جعل التلميذ يعيش في وسط موبوء خارج المؤسسة التربوية، أثر على المؤسسات التربوية ونقل كل المظاهر والسلوكات السلبية من خارج المدرسة إلى داخلها .
وأضاف المتحدث، وحتى وان بذل الفريق التربوي والإداري جهودا لمعالجة هذه الظواهر السلبية، فإن هناك حالات تفلت ويكون من الصعب معالجتها او التزامها بالقوانين الداخلية للمدرسة .
ومن بين أسباب العنف وسط الحرم المدرسي، يقول النقابي، هناك ايضا تخلي أغلب الأسر والعائلات والأولياء عن دورهم التربوي والتوجيهي المنوط بهم، مما جعل أبناءهم التلاميذ يعيشون وسط محيط اجتماعي لا يرحم، وهذا التخلي من قبل الأولياء جعل المؤسسة التربوية تعيش في جملة من المشاكل التربوية تصل أحيانا إلى التعدي على الأساتذة والمربين جسديا وأحيانا بالسلاح الأبيض.
ويرى المكلف بالإعلام لنقابة مديري الثانويات، إن الظاهرة وبالرغم من محدوديتها تتطلب الوقوف عندها لمعالجتها ومحاصرتها من قبل الجهات والمؤسسات المعنية، مثل منظمات أولياء التلاميذ، المساجد، الجمعيات لتقدم المساعدة للمؤسسات التربوية التي أصبح بعضها عاجزا أمام تفشي هذه الظواهر السلبية المشينة .
وأكد بوعنان، أن كل هذه الأسباب تتطلب تظافر الجهود بين مختلف الفاعلين في الحقل التربوي لمعالجتها ودراسة ظاهرة العنف المدرسي سواء عن طريق التوجيه وعقد جلسات من قبل المختصين في علوم التربية وعلم النفس مع التلاميذ والأولياء، من أجل إرشادهم وتوعيتهم بخطورة هذه الظواهر والابتعاد عن كل السلوكات المشينة والآفات الاجتماعية التي تؤثر على سلوكهم وتصرفاتهم وعلى مستقبلهم الدراسي والاجتماعي.
وشدد النقابي ،على ضرورة الردع القانوني والعقابي للحالات الشاذة التي تتسبب في تجاوزات خطيرة داخل المؤسسات التربوية يجب ردعها.
الحاجة لقانون يحمي المربي
ومن جانبه قال المكلف بالإعلام بالاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين بولاية قسنطينة، عزالدين فكرون، في تصريح لـ”العصر نيوز”، أن ظاهرة الاعتداء على الطاقم التربوي ليست وليدة اليوم، بل كانت منتشرة من قبل واتسعت رقعتها حاليا بشكل كبير جدا.
وأكد فكرون، أن الظاهرة تنتشر بشكل كبير في ولاية قسنطينة، حيث أن المنطقة تسجل حالات اعتداء بشكل يومي على الأساتذة والمشرفين.
وأرجع المتحدث سبب انتشار الظاهرة وسط الحرم المدرسي، إلى عدة أسباب من بينها غياب قانون يحمي المربي، لافتا إلى أن قيمة الأستاذ في المجتمع تدهورت ولم تعد كما كانت في السابق.
وأضاف، أن تقصير الأولياء ساهم أيضا في تفشي الظاهرة، لاسيما أن هناك أولياء يحرضون أبناءهم التلاميذ على العنف ضد الأساتذة.