مؤشرات عديدة تلوح في أفق الصناعة الجزائرية التي، يعد سنوات من الركود وما يشبه الضياع، تسجل منذ الآونة الأخيرة، مكاسب ايجابية على مختلف المستويات، القانونية، بإصلاح القوانين ذات الصلة ومن بينها صدور قانون العقار الاقتصادي والاستثمارية برفع القيود والعراقيل عن عشرات المشاريع المعطلة والمجمدة وتحرير المبادرة أمام المستثمرين و”المناجيرالية” بضبط قواعد التسيير الحديث واعتماد عقود نجاعة يمكن من خلالها قياس درجة التحكم والتتبع لرصد مدى تحقيق القيمة المضافة.
ضمن هذا النسيج المؤسساتي الصناعي، لا تزال المؤسسات العمومية صامدة أمام التغيرات وتسعى للانخراط في الديناميكية الجديدة لتكون طرفا فاعلا مع تمام المطابقة مع المعايير الجديدة، بمعنى مؤسسات تستثمر وتنتج وتسوق وتصدر للخارج موازاة مع التخلص تدريجا من التبعية للخزينة العمومية التي لطالما تدخلت لتغطية العجز عبر ما يعرف بالتأهيل والمرافقة. فهي مؤسسات ينبغي أن تنتج قيمة مضافة في شكل ثروات بمعدلات تغطي احتياجاتها من السيولة المالية وتعزز الادخار الوطني وتساهم في تمويل استثمارات إضافية وفقا لقاعدة تنويع المداخيل، يزيدها حظوظا انفتاح عقلاني على محور الشراكة مع القطاع الخاص الوطني وفقا للأهداف الوطنية المسطرة.
غير أن هذا النسيج الصناعي العمومي الذي “لا يعاني من مشاكل مالية” كما أكده وير الصناعة والإنتاج الصيدلاني، علي عون، خلال جولة قام بها يوم 2 ديسمبر 2023، تفقد فيها قطاعه بولاية الجزائر، إنما “مشكلته تكمن في نمط التسيير” مستشهدا بمثال كل من المؤسسة الوطنية للصناعة الالكترونية (ايني) بسيدي بلعباس والمؤسسة الوطنية للصناعة الكهرومنزلية (انيام) بتيزي وزو.
ولتجاوز هذا الوضع غير السوي يحرص، الوزير علي عون، على انجاز الانتقال إلى مرحلة النجاعة باعتماد مؤشرات دقيقة، وهو الذي يتمتع برصيد هائل من الخبرة التسييرية المتراكمة لعقود والتجارب الميدانية في إنقاذ مؤسسات اقتصادية كانت على حافة إفلاس مؤكّد وإعادتها إلى سكة النمو، على غرار المجمع العمومي للصناعة الدوائية (صيدال) خلال منتصف التسعينات، وها هو ذات المجمع اليوم يسترجع توازناته ليصبح قطبا يعول عليه في إرساء السيادة الصحية من بوابة الاستثمار المنتج والنجاعة والتكيف مع السوق ضمن رؤية دقيقة تقود إلى تحقيق مكاسب اقتصادية وأخرى اجتماعية هي في المتناول.
لم يعد ممكنا تبرير المعادلة غير المتوازنة التي تطبع القطاع الصناعي العمومي بين وفرة سيولة مالية مؤكدة وعدم انجاز أهداف النمو المطلوبة، انطلاقا من الواقع الجديد الذي يعكس وجود قدرات حقيقة للنهوض وتدارك التأخر وهناك أمثلة عديدة في هذا الاتجاه مما يعزز خيار الخروج من تحت الماء لالتقاط أوكسجين الديمومة في ظل حركية صناعية بدأت تبرز في السوق تحت عناوين بارزة منها انطلاق مشروع منجم الحديد “غارا جبيلات”(ولاية تندوف) الذي وضع الرئيس تبون حجر أساسه قبل أيام، وقبله منجم الزنك والرصاص تالة حمزة اميزور (ولاية بجاية)، وانتعاش الإنتاج الدوائي الذي فتحت له أسواق باتجاه إفريقيا، والصناعة الميكانيكية بمعايير ذات جدوى تكلل بتدشين مصنع فيات الجزائر بوهران يوم 11 ديسمبر الجاري، إلى جانب الصناعة الغذائية التي ستكون على موعد مع استكمال استثمارات فلاحية في الصحراء الجزائرية يعول عليها لتكون قطبا للأمن الغذائي وتشكل ضمنه الصناعة القلب النابض كما أبرزته الندوة التي احتضنتها ولاية أدرار، يوم الاثنين الماضي 4 ديسمبر بمشاركة أربعة وزراء من بينهم المكلف بالصناعة في اشارة الى التعاضد الحكومي لواجهة التحديات الكبرى للنمو الاقتصادي حتى يستعيد دينامكيته المرتقبة وأكثر.
سعيد بن عياد