لم يتوقف الغرب بقيادة الاستعماريين الجدد لعقود عن تسويق مفاهيم “الديمقراطية وحقوق الإنسان” جاعلا منها أوراق ضغط على البلدان النامية حديثة الاستقلال موهما شعوبها بشعارات براقة تبين مجددا أنها ليست سوى مغالطات تخفي في مضامينها مشاريع استعمار جديد يسعى للسيطرة على خيرات بلدان ناشئة، وإلا كيف يمكن تفسير مفهوم الديمقراطية في هذه البلدان لما تتظاهر شعوبها في شوارع لندن ونيويورك وباريس وبروكسل وغيرها من عواصم ادعت طويلا أنها مرجع للديمقراطية ولا تستجيب حكوماتها إلى مطالب وقف العدوان على الشعب الفلسطيني وضرورة وقف الكيان الإسرائيلي عن مواصلة جرائم الإبادة وضد الإنسانية، أبرزها تعرض وزير خارجية أمريكا، بلينكن، في عقر داره لاحتجاج من بني جلدته شعروا بالعار من موقف البيت الأبيض تجاه قتل الأطفال والنساء، إنه أمر يثير تساؤلات كثيرة، مما يستوجب مراجعة تلك الادعاءات التي يطلقها ما يمسي نفسه “حامي الحقوق والحريات” بعد أن فضحته تفاصيل الجرائم الصهيونية في قطاع غزة الصمود، حيث أدرك الفلسطينيون أن هناك مخطط معدّ سلفا يرمي إلى تهجيرهم مجددا وأن هناك رائحة تواطؤ تفوح حول جثث الأطفال والنساء والشيوخ الذين لم يسمع أحد من جيران فلسطين نداءات طلب النجدة والاستغاثة وهي نداءات أبرياء وصلت مختلف أصقاع العالم، ورأينا كيف أن عدة بلدان من أمريكا اللاتينية قطعت العلاقات مع الكيان الإسرائيلي المجرم لسببين التنديد بالجرائم النازية وكذلك عدم الامتثال للقانون الدولي، القاسم المشترك بين أطراف المجموعة الدولية، وهنا الخلل بعد أن تبين عجز فاضح لمجلس الأمن الدولي الذي يبدو انه في وضع “المختطف” من القوى الغربية صاحبة الامتياز بما يعرف “الفيتو” الأمر الذي يعيد مجددا طرح مسألة إصلاح منظمة الأمم المتحدة ومراجعة القواعد التي لم تشارك البلدان المستقلة بعد الحرب العالمية الثانية في إرسائها، ولعل اكبر إشارة لذلك كيف تعرض أمينها العام غوتيريش لهجمة بعد أن أوضح أن ما حدث في 7 أكتوبر هو نتيجة لتراكمات أكثر من نصف قرن بسبب تعطل تطبيق الشرعية عنوانها حل الدولتين على أساس حدود 1967، حل بدونه لن يكون أمن ولا سلام في الشرق الأوسط وربما العالم.
سعيد بن عياد