حسناء زكري
أساتذة يثمّنون التعلّم عن بعد واستغلال التطور التكنولوجي في اكتساب المعرفة
“وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ” .. هدف سطرته فريدة ووضعته نصب عينيها عازمة على تحقيقه مهما كانت الظروف، هي امرأة في العقد السادس من عمرها تحدّت سنّها و ضُعْفَ تعليمها وقررت التوجه لحفظ كتاب الله، و اختارت التعليم الإلكتروني بعدما لم تسعفها الأقدار للالتحاق ببيوت الله، تقول فريدة أنّها كانت يائسة تماما من تحقيق حلم لطالما راودها خاصة مع عدم تواجد مدرسة قرءانية بالقرب من منزلها، وكانت ملزمة بقطع مسافات طويلة لتصل إلى أقرب مدرسة، وهو الأمر الذي كان شبه مستحيل خاصة مع ارتباطاتها في المنزل فهي ربة بيت وأم لستة أبناء كلهم ذكور، ويعتمدون عليها في كل الأمور المنزلية، استسلمت فريدة للأمر الواقع إلى أن جاءتها فكرة تليغرام..
على غرار فريدة، هناك الآلاف من طالبات وطلبة العلم الشرعي أو ممن أردن تعلم وحفظ كتاب الله أو حتى تعلم اللغات الأجنبية ومهارات التسويق الإلكتروني لمن لم يتسن لهم ذلك بالمدراس ومراكز التكوين والدورات التعليمية، فكان التعليم الإلكتروني ملاذا لهم، وجدوا فيه ضالتهم المنشودة و استغلوا فترة العطلة الصيفية لاكتساب هذه المهارات عبر غرف الدردشة على “تليغرام” و قنواته العلمية، التي كانت حضنا مبسوطا لمن أراد اكتساب العلم والمعرفة خاصة فيما يتعلق بالعلم الشرعي من حفظ وتصحيح تلاوة وتعلم أحكام القراءة والفقه وغيرها من العلوم الإسلامية والدينية، إلى جانب اللغات الأجنبية كالإيطالية والألمانية والتركية وخاصة الانجليزية، التي توجه لتعلُّمها الكثرون خلال العطل، خاصة بعد إدراج تدريسها في الطور الإبتدائي، واكتساب مهارات جديدة تكون تحصيلا إضافيا، للتلاميذ والطلبة وحتى الموظفين لتطوير مهاراتهم العلمية و العملية عبر هذه التطبيقات و المواقع.
“منير” يتحدى الإعاقة و يتعلم أبجديات اللغة الإيطالية عبر “تليغرام”
يكشف منير وهو شاب في بداية العقد الثالث من عمره في حديثه لـ “العصر نيوز” عن تجربته في تعلم اللغة الإيطالية، قائلا بأن رغبته تولّدت عقب تعرفه على أصدقاء من إيطاليا، هؤلاء وجد فيهم الأُنس الذي يكسر روتين يومه، فهو مقعد منذ أزيد من سبع سنوات بعد حادث مرور تعرض له أدّى إلى كسر في عموده الفقري، ويضيف منير بأن القنوات العلمية على “تليغرام” والخاصة بتعلّم اللغات ساعدته كثيرا على تعلم أبجديات ومبادئ في اللغة الإيطالية ليتواصل بها صوتيا مع أصدقائه بعدما كان حديثه معهم مقتصرا على محادثات كتابية، الأمر الذي جعله يتطلّع إلى تعلّم لغات ومعارف أخرى تنسيه عجزه، واستحسن منير فكرة مثل هذه التطبيقات معتبرا أن “تليغرام” ليس مجرد موقع للتواصل بين الأفراد بل تعداه إلى كونه منصة تعليمية ثرية ومتنوعة لا سيما أنه يتوفر على ميزة تسجيل الدروس الصوتية وحفظها على التطبيق على شكل “أوديو” أو تحميلها على الهاتف لمن أراد ذلك.
مقرأة الجزائر… مدرسة إلكترونية أكسبت الآلاف فرصة لتعلم القرءان في كل وقت
أما أنفال التي تحدثت لـ “العصر نيوز” عن برنامجها الذي سطرته منذ أزيد من سنتين، أبدت فرحتها بحفظها ما يزيد عن أربعين حزبا من القرءان الكريم عن بعد، ما بين “مقرأة الجزائر الإلكترونية” التي أطلقتها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف قبل 4 سنوات بعد غلق المساجد والمدارس إثر تفشي جائحة كورونا، على تطبيق “زووم” و ما بين قنوات الحفظ على “تليغرام”، وقالت أنفال بأن ارتباطاتها في العمل صعّبت من مهمة التحاقها بالمدارس القرءانية وحرمتها من لذة الجلوس بين يدي شيختها لتتلو عليها ما حفظته من آيات، إذ تعمل في مختبر للتحاليل الطبية بالجزائر العاصمة بدوام يوم بيوم من الثامنة صباحا إلى الخامسة مساءً، و هو الأمر الذي منعها من مزاولة دراستها بشكل منتظم، فلجأت هي الأخرى إلى التعليم الإلكتروني، واختارت الفترة الصباحية بعد صلاة الفجر لتعرض لشيخاتها ما حفظته كل يوم، مؤكدة أنّ وقت الفجر له فضل كبير على مساعدتها في الحفظ، مستشهدة بقوله تعالى” إنّ قُرْءَانَ الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا” ولأن صفاء الذهن و التركيز في تلك الفترة من اليوم يكونان في أعلى مستوياتهما، وأردفت أنفال بأن وإن كان التعليم عن بعد لا يغني عن المدارسة بين يدي الأستاذ إلّا أنها تعتبر بديلا مناسبا في حال تعذر التنقل وحضور الحلقات.
التعلم عبر المنصات الإلكترونية و” التليغرام” فرصة للإبحار في مجال الرقمنة
و من جهتها تقول ” الأستاذة سلمى” هي أستاذة لغة في فرنسية بالطور الثانوي، أن التعليم الإلكتروني والدراسة عن بعد لا يغنيان طبعا عن التعليم الحضوري فيما يخص كل المواد التعليمية، لكن فيما يخص تعلم اللغات فهو أمر جد إيجابي ومثمر، فباعتبار أن تعلم اللغات يلزمه التطبيق أكثر من النظري ومع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة أغلب الأشخاص التي تتمثل في الخجل وعدم القدرة على المناقشة وجها لوجه خوفا من الخطأ، فإنّ التعليم الإلكتروني منح للمتعلمين الشجاعة وراء الشاشة خاصة و أنه لا يعرف المتحدثين ولا يشعر بالإرتباك، وأردفت انطلاقا من واسع خبرتها وتجربتها مع هذا النوع من التعلم، أنه ساعدها كثيرا أثناء دراستها، خاصة وأن المشاركة في مثل هذه النقاشات لا تشترط فئة عمرية محددة بل تتعداها إلى جميع الأعمار و المستويات، و هو الأمر الذي يُكسب المتلقي الخبرة في مجالات شتى وليس اللغة المراد تعلمها فقط.
من جهة أخرى كشفت الأستاذة “فاطمة” من خلال تجربتها في التعليم والتعلم الإلكتروني أن النّساء الماكثات بالبيوت، كان لهن النصيب الأكبر من مزاولة التعليم عبر تلك المنصات والتطبيقات، و أن أغلبهن يخضعن لقرارات صارمة بمنعهن من الخروج يوميا من طرف أزواجهن، إلى جانب انشغالهن الدائم في تربية أولادهن، فوجدن الحل البديل.
وختمت محدثتنا كلامها قائلة : إن التعليم عن بعد بصفة عامة قد فتح المجال أمام الكثيرين من أجل الاطلاع أكثر على العالم الإفتراضي والإبحار الرقمي واكتشاف أحدث التقنيات التكنولوجية.