الحلقة الثالثة
أولا: الطلاق الرجعي: وهو الذي يرفع قيد الزواج في المآل لا في الحال، فيملك الزوج حق مراجعة زوجته ويستأنف بذلك العلاقة الزوجية رضيت أم لم ترض طالما أن عدتها لم تنته. ويترتب على الطلاق الرجعي الأحكام التالية:
1- يبقى حق الاستمتاع بالزوجة حقا للزوج.
2- لا يرفع حليلة المرأة حتى لو انتهت عدتها.
3- الزوجة بإمكانها أن ترث زوجها إذا مات أثناء عدتها.
فالزوج يبقى صاحب الرجعة الوحيد وهذا ما تؤكده المادة 50قانون الأسرة:
( من راجع زوجته أثناء محاولة الصلح لا يحتاج الى عقد جديد ومن راجعها بعد صدور الحكم بالطلاق يحتاج الى عقد جديد).
فلا يحتاج إلى عقد جديد عند فقهاء الاسلام بشرط أن يكون وهي في تاريخ النطق بالحكم بالطلاق بثلاث قروء( ثلاث حيضات) بالنسبة للحائض وثلاث أشهر لليائسة من المحيض وبالوضع للحامل، لأنه في حال فوات فترة العدة تكون الزوجة قد بانت عن زوجها ولا رجعة له عليها، إلا بعقد جديد وهذا طبقا لأحكام المادتين9 و9مكرر قانون الأسرة.
ثانيا: الطلاق البائن: هو الطلاق الذي لا يملك فيه الزوج حق إعادة زوجته إلى عصمته إلا بعقد جديد أي يتوقف على رضاها ومهر وشاهدين وولي، وكأنه يتزوجها للمرة الأولى المادة 50 قانون الأسرة. وينقسم الطلاق البائن الى بينونة صغرى وبينونة كبرى:
1– الطلاق البائن بينونة صغرى: إذا طلق الزوج زوجته ولم يراجعها خلال فترة العدة (ثلاثة قروء) يصبح الطلاق بائن بينونة صغرى بحيث لا ترجع إليه زوجته إلا بعقد جديد لأن الرابطة الزوجية يزول قيدها بمجرد إتمام العدة. إذن المرأة بالرغم من طلاقها تبقى حليلة لزوجها.
2-الطلاق البائن بينونة كبرى: يزيل قيد الزوجية بصفة نهائية فلا يحل للرجل أن يعيد زوجته بأن يعقد عليها من جديد إلا بعد أن تنكح رجلا غيره نكاحا صحيحا ويدخل بها دون قصد التحليل لأن نكاح التحليل حرام باتفاق فقهاء المسلمين لقوله تعالى: ” فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون” { سورة البقرة الآية230}. وقد نص عليه المشرع الجزائري في المادة 51 قانون الأسرة لا يمكن أن يراجع الرجل من طلقها ثلاث مرات متتالية إلا بعد أن تتزوج غيره وتطلق منه أو يتوفى عنها بعد البناء “.
ملاحظة: الأحكام بالطلاق غير قابلة للاستئناف ما عدا في جوانبها المادية المادة 57 قانون الأسرة بمعنى أن الحكم أمام المحكمة حكم نهائي لا يجوز الطعن فيه بالاستئناف وهو قابل للتنفيذ الفوري.
أما التعويضات (الآثار المالية) فهي قابلة للطعن فيها بالطرق العادية.
ثالثا: الآثار المترتبة على الطلاق: يترتب عن انحلال عقد الزواج ” الطلاق” عدة أثار قانونية أهمها:
1- العدة: العدة هي الأجل الذي حدده القرآن للمرأة التي حصلت الفرقة بينها وبين زوجها بسبب من الأسباب الطلاق أو الوفاة والعدة تختلف بحسب حال المعتدة فهي:
(أ)-ثلاثة قروء: وقد نص عليها المشرع في المادة 58 قانون الأسرة: ” تعتد المطلقة المدخول بها غير الحامل ثلاثة قروء“، وقوله تعالى:” والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء “ { الآية 4 سورة الطلاق}.
(ب)- ثلاثة أشهر: المادة 58 قانون الأسرة: ” واليائس من المحيض بثلاثة أشهر“، وهذه المادة مستخلص من قوله تعالى: ” واللائي يئسن من المحيض من نسائكم أن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن“{ الآية 4 سورة الطلاق}.فالعدة إذن تبدأ من تاريخ حصول سببها وهو الفراق سواء كان الطلاق أو الوفاة.
ملاحظة: إذا كان الطلاق قبل الدخول فالعدة غير موجودة أصلا لقوله تعالى: ” وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها “.
2-نفقة المعتدة من الطلاق: الطلاق إما أن يحصل قبل الدخول بالمطلقة أو بعده:
(أ)-المطلقة قبل الدخول: إذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول فإنها تطلق منه طلقة بائنة بدون عدة كما سبق بيانه وحيث لا تجب العدة ولا تجب النفقة لأن النفقة فرضت مقابل الاحتباس ( انتظار ظهور الحمل من عدمه).
(ب)-المطلقة طلاقا رجعيا: ينطبق عليها نص المادة 61/2ف قانون الأسرة:”… ولها الحق في النفقة في عدة الطلاق“.
(ت)-المطلقة طلاقا بائنا: بالرجوع إلى نص المادة61 قانون الأسرة نجد المشرع استعمل عبارة ” مطلقة ” بصفة عامة وعليه يكون لها هي الأخرى الحق في النفقة.
(ث)-الحضانة: نصت عليها المادة 62 قانون الأسرة: ” الحضانة هي رعاية الولد وتعليمه والقيام بتربيته على دين أبيه والسهر على حضانته وحفظه صحة وخلقا“.
وعليه فالحضانة هي القيام بتربية الطفل الذي لا يستقل بأمره برعاية شؤونه ووقايته عما يضره، والمشرع الجزائري قد استلزم في الحاضن أن يكون أهلا لذلك. المادة 26/2 قانون الأسرة:” ويشترط في الحاضن أن يكون أهلا للقيام بذلك“. والأهلية تكون عندما يستوفي الحاضن الشروط التالية:
البلوغ: أنظر المادة 40 قانون مدني التي تحيل إلى المادة 86 قانون الأسرة.
العقل: خال من عوارض الأهلية كالجنون والعته.
القدرة: سلامة الحاضن جسميا.
الأمانة: هي أن لا يخشى من الحاضن على الطفل.
(ث1)-أصحاب الحق في الحضانة: وفق المادة 64 قانون الأسرة🙁 الأم أولى بحضانة ولدها) وهذا منطقي لأن الأم أحب الناس إلى الطفل وأرحم من غيرها، كما أن المشرع الجزائري قد نص على أولوية الحضانة للأم وتلاها بأقرب الأقارب وهو الأب ثم من النساء الجدة للأم وهي أرحم بالطفل المحضون لقوله صلى الله عليه وسلم: ” الخال أحد الأبوين” وهذه المادة ترتب حق الحضانة بعد الأم إلى الأب ثم أم الأم ثم أم الأب ثم الخالة ثم العمة ثم الاقربون درجة مع مراعاة مصلحة المحضون في كل ذلك.
(ث2)- مدة الحضانة: حدد القانون مدة الحضانة القصوى بالنسبة للأنثى بسن الزواج، وجعلها للذكور كقاعدة عامة عشرة سنوات، ولكن إن أراد الحاضن الاستمرار في حضانة المحضون تعين عليه التمسك بهذا الحق برفع دعوى إلى المحكمة يستصدر حكما بتمديد الحضانة وفق المادة 68 قانون الأسرة: ” إذا لم يطلب من له الحق في الحضانة مدة تزيد عن سنة بدون عذر سقط حقه فيها”.
ملاحظة: المشرع جعل مدة حضانة الفتاة سن الزواج، ووفق المادة 7 قانون الأسرة يعني بلوغها 19 سنة، فمتى بلغت هذه السن سقطت حضانتها عن القائم بها بقوة القانون.
(ث3)-أسباب سقوط الحضانة: حق الحضانة ليس بحق دائم وإنما هو أداء أوجبه القانون فإن قام به الحاضن كما أمره القانون بقي له الحق في الحضانة حتى يبلغ المحضون السن القانونية. ولكن هناك أسباب إن توفرت سقطت عنه الحضانة وهي:
– زواج الحاضنة بأجنبي عن المحضون، المادة 66 قانون الأسرة: ” يسقط حق الحضانة بالتزوج بغير قريب محرم “.
– التنازل عن الحضانة: ويكون عند وجود حاضنة أخرى أو التنازل لأبيه.
– فوات أجل التمديد: إذا بلغ المحضون 10 سنوات ( مرحلة بإمكان أبيه أن يأخذه) ان لم تطلب الحاضنة تمديد الأجل تسقط حضانتها له.
– الإخلال بواجبات الحضانة المنصوص عليها في المادة 62 قانون الأسرة.
– مجاورة أم المحضون المتزوجة المادة 70 قانون الأسرة:” تسقط حضانة الجدة أو الخالة إذا سكنت بمحضونها مع أم المحضون المتزوجة بغير قريب محرم “.
– الاستيطان في بلد أجنبي: هذا الشرط لا يؤدي دائما إلى إسقاط الحضانة عن الحاضن وإنما يتوقف على مدى قناعة القاضي بضرورة إسقاطها.
– قوة القانون: يسقط حق الحضانة على من كان يتمتع به ببلوغ الفتاة 19 سنة
والذكر بـعشر سنوات حضانة ما لم تمدد فترة حضانتهما.
(ت4)-نفقة المحضون وسكناه: نعني بالنفقة هي الأموال التي يمكن أن تنفق على الطفل من مصاريف في الحياة العادية كما لو كان يعيش مع أبيه المادة 78 قانون الأسرة:(تشتمل النفقة: الغذاء والكسوة والعلاج والسكن أو أجرته، وما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة). و النفقة واجبة على الأب بأمر من القاضي بصرفها إلى الحاضنة في شكل مبالغ مالية يقدمها بإثبات كتابي. وإذا كان الأب معسرا فإنه يعتبر بحكم المعدوم وحينئذ يأمر بها من يجب عليه نفقة الصغير بعد الأب ويدفعها حالا إلى الحاضنة ولهذا الأخير أن يعود على الأب متى أصبح ميسور الحال، المادة 76 قانون الأسرة:” في حالة عجز الأب تجب نفقة الأولاد على الأم إذا كانت قادرة على ذلك”.
ملاحظة: يراعي القاضي في تقدير النفقة حال الطرفين وظروف المعاش ولا يراجع تقديره قبل مضي سنة في الحكم المادة 79 قانون الأسرة.
تستحق النفقة من تاريخ رفع الدعوى وللقاضي أن يحكم باستحقاقها بناء على بينة لمدة لا تتجاوز سنة قبل رفع الدعوى ولثبوت التقصير والتعطيل في تسديد النفقة لضمان الحد الأدنى لحياة كريمة وفي بعض الحالات الامتناع عن دفع النفقة المستحقة للأطفال من أبوين منفصلين مما يوجب عليه القانون اقتضائها من ذمته المالية.
ولمواجهة هذه المعضلة الاجتماعية استلزم الامر اصدار قانون يتضمن صندوق النفقة خاص بالنساء المطلقات الحاضنات لأطفالهن وكذا المطلقات المحكوم لهن بالنفقة وهذا يعد حلا ملائما يكفل تامين لمعيشة الطفل والمطلقة خلال فترة زمنية حددها المشرع واصبغها بطابع الاستعجال الذي افرزته حالة الطلاق .
وكل ذلك جعل هذا الصندوق كبديل فوري لاستحقاق النفقة وتكفله بالسداد للدائن بها (الاطفال والمطلقة) وفي وقتها ثم الحلول محله بعد ذلك في تحصيلها من الزوج المدين بها قانون رقم 15-01 مؤرخ في 13 ربيع الأول عام 1436 الموافق 4 يناير سنة 2015، يتضمن إنشاء صندوق النفقة. المادة 3منه ( يتم دفع المـستحـقات المالـية للـمستـفيد، إذا تعـذر الـتنـفـيذ الـكلي أو الجـزئي للأمـر أو الحكـم القـضائي المحدد لمبلغ النـفقة، بسبب امتناع المدين بها عن الدفع أو عجزه عن ذلك أو لعدم معرفة محل إقامته) ،
يـــثـــبت تـــعـــذر الـــتـــنـــفـــيـــذ بموجب مـــحـــضـــر يـــحـــرره محضر قضائي.
ثم صدرت التنظيمات التطبيقية له:
– مرسوم تنفيذي رقم 15-107 مؤرخ في 2 رجب عام 1436 الموافق 21 أبريل سنة 2015، يحدد كيفيات تسيير حساب التخصيص الخاص رقم 142-302 الذي عنوانه “صندوق النفقة”.
– قرار وزاري مشترك مؤرّخ في أوّل رمضان عام 1436 الموافق 18 يونيو سنة 2015، يحدّد الوثائق التي يتشكل منها ملف طلب الاستفادة من المستحقات المالية لصندوق النفقة.
الـنـسـب
نظمه المشرع في المواد من 40 إلى 45 من قانون الأسرة و تبعه بمادة خصصها لمعالجة ظاهرة التبني التي يحرمها الإسلام فأكد القانون هذا التحريم و نبحث النسب وثبوته وآثاره فيما يلي:
اهمية النسب وثبوته
اولا : أهمية النسب
1-تعريف النسب: هو إلحاق الولد بأبيه قانونا ودينا واعتباره الأصل الذي تفرع عنه ذلك الولد،
2-أهمية النسب: هو إحدى أهم قواعد تشريع الأحوال الشخصية لأهمية دوره في ضمان انسجام التشريع مع آثاره، لأنه إثبات لواقعة اللقاء الجنسي بين أنثى وذكر كان سببا في هذا النتاج من جهة ومن جهة أخرى لأنه رفع للظلم الذي يتعرض له طفل برئ يجهل نسبه و لم يفعل ما يجلب له الجهل بنسبه.
ثانيا: ثبوت النسب: يثبت النسب بطريقتين أو سببين، سبب منشئ له، لا يحتاج إلى دليل، وسبب كاشف له، فقط أي يعيد إدماجه قانونيا وقد حصرها المشرع الجزائري في المادة 40 قانون الأسرة: ( يثبت النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار أو بالبينة أو بنكاح الشبهة وبكل زواج تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32، 33، 34، من هذا القانون ) .
يجوز للقاضي اللجوء الى الطرق العلمية لإثبات النسب
1- الأسباب المنشئة للنسب: ينشأ النسب بالنكاح سواء كان صحيحا أو فاسدا وكذلك بنكاح الشبهة (الشبهة على العموم هي التي تدرأ الحد ويلحق الولد بسببها، ويعتبرها بعض الفقهاء من عقود النكاح الفاسدة والمختلف فيها، كمن يجد امرأة على فراشه فيظنها زوجته..).
ويمكن مع ذلك إثبات النسب بطريقتين متى انتفت أسباب النشوء و هما: الإقرار
و البينة و هذا مقتضى المادة 40 قانون الأسرة.
(أ)- ثبوت النسب بالزواج الصحيح: الزواج الصحيح هو الذي تتوافر فيه أركان الانعقاد وشروط الصحة طبقا لمقتضى المواد 9و23 قانون الأسرة وما بعدها، وهو على هذا النحو أما أن يقع الفراق قبل الدخول أو بعده، فإن وقع الفراق قبل الدخول وكان عدم الدخول ثابتا بالطرق الشرعية فلا نسب ويضرب الإمام مالك مثالا على هذا الحال بمن تزوج امرأة في بلد غير البلد الذي يقيم فيه ولم يحصل بينهما لقاء فلا نسب بين الزوج والولد لكون الحمل ليس منه قطعا ووافقه الشافعي وأحمد بن حمبل وخالفهم ابو حنيفة.
وجه خلافهما :
-إن الاحناف يرون العقد الصحيح فراشا ولا حاجة لإمكان الاتصال أو عدم إمكانه -بينما يؤسس الأئمة الباقون النسب على الاتصال أو عدم إمكانه فإن انتفى فلا نسب، وهذا ما أخذ به المشرع الجزائري في المادة 41 قانون الأسرة بقوله: ( ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعيا وأمكن الاتصال ولم ينفه بالطرق المشروعة) .
ويترتب على ذلك أن ثبوت النسب من الزواج الصحيح يجب أن تتوافر فيه الشروط التالية:
–(أ1)- أن يكون الزواج شرعيا أي مستوفيا لجميع شروط الانعقاد وشروط الصحة واللزوم والنفاذ ليمكن اعتباره كذلك المادتان 9 و 31 قانون الأسرة.
–(أ2)- أن يكون الاتصال ممكنا وهذا موقف الأئمة الثلاث. ويتحقق هذا الشرط بالخلوة الصحيحة لأنها قرينة على تسليم المرأة نفسها لاعتبار العقد شرعيا، وذلك ما عبر عليه الحديث النبوي الشريف بقوله: ( الولد للفراش وللعاهر الحجر) ولا يملك نفي نسب الولد الذي نتج له من زوجة دخل بها ولو لم يمسها إلا إذا لجأ إلى اللعان معها،
–(أ3)- أن لا ينفيه الزوج عنه بالطرق المشروعة، سواء قبله قبولا ضمنيا أو صريحا أي سواء ظهر في شكل إخبار الناس أن زوجته حامل أو سيزداد له ولد أو أنه حقق أمنيته أو أنه قد ازداد له ولد ويكون ضمنيا، كما لو أخذ يحضر وسائل الحضانة والتربية ويشتري لزوجته الوسائل اللازمة لوضع الحمل.
ومن الطرق المشروعة كذلك الطرق العلمية كما لو عجز ليلة الدخول بها رغم تعدد الخلوة بها عن مخالطتها جنسيا وتوجه إلى المستشفى لإجراء فحوص طبية فأعطت نتائج التحليل ما يدل على أنه لا يلد ( عاقر ) فيكون دليلا علميا على انتقاء نسب الولد منه.
–(أ4)- أن تلد بعد مرور ستة أشهر على الأقل من تاريخ الانفصال بين الزوجين سواء كان ذلك بالطلاق أو بالوفاة أو بطريق آخر كالحكم عليه في جناية فيكون الانفصال هو تاريخ إلقاء القبض عليه لتنفيذ العقوبة، ولكن لا تتجاوز المدة في كل الأحوال عشرة أشهر من تاريخ الانفصال إذ تنص المادة 43 قانون الأسرة على أنه : “ينسب الولد لأبيه إذا وضع الحمل خلال عشرة ( 10 ) أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة ”
(ب)-ثبوت النسب بالزواج الفاسد: نصت المادة 40 قانون الأسرة على أنه: ” يثبت النسب بالزواج الصحيح وبكل نكاح تم فسخه بعد الدخول ” ومن ثمة فإن ثبوت النسب من زواج فاسد يجب أن تتوافر فيه الشروط التالية:
–(ب1)- لابد من حصول دخول بالزوجة المعقود معها بعقد فاسد، فلو لم يقع دخول فلا محل للقول بالنسب لأن العقد الفاسد لا يكون فراشا ويستثنى من هذا الشرط حال قيام الأب بإدعاء الولد أنه ابنه وفيها لا تسمع دعواه إلا إذا توافر شرطان:
–(ب1-1)- أن المرأة تلد قبل نهاية العدة.
–(ب1 2-)- أن تقل المدة على ستة أشهر من تاريخ الدخول الحقيقي لاحتمال كونه خالطها من قبل متى لم يصرح أنه من زنا، فإن صرح بذلك فلا نسب بينهما.
فإن انتفت هذه الشروط فإن الولد ينسب لأبيه بقوة القانون طالما أن المدة بين تاريخ الانفصال وتاريخ ميلاد الطفل لا تزيد على عشرة (10) أشهر طبقا لنص المادة 43 قانون الأسرة.
–(ب2)- أن يدعيه الأب بكيفية لا يرفضها العقل السليم ولا العادة ومن ذلك مثلا أن تتواطأ امرأة مع شخص كانت تأويه – تحت تأثير أزمة السكن – لإنجاز مشروعه فإن كان ممن يصدق العقل أن الولد منهم وجب تصديقه حتى لو كان في مرض الموت، ويكون الفارق على الأقل بين المدعى والمدعى به (الولد) اثنا عشر سنة وستة أشهر لأنها الفترة التي يبدأ فيها بلوغ الذكر. وذلك متى حصل دخول بها من عقد فاسد، فأما الزوجة التي يتم التفريق بينها وبين زوجها قبل الدخول فلا نسب بين من تلده ومن افترقت معه لأن المشرع لا يعترف بثبوت النسب قبل الدخول ويعتبر من قبيل المعاشرة الحميمية غير الشرعية.
(ت)-المطلقة بعد الدخول وثبوت النسب: المطلقة بعد الدخول لا تعتبر مطلقة إلا إذا أفصح القاضي بهذا الطلاق وذلك طبقا لنص المادة 49 قانون الأسرة: “لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح من طرف القاضي دون أن تتجاوز هذه المدة ثلاثة أشهر“. أما قبل النطق بالطلاق فالمدة معتبرة لفائدة الطفل حيث ينسب لأبيه بناء طبقا للقانون والحديث النبوي الشريف “الولد للفراش” إلا إذا انتفى ثبوته بالملاعنة.
وابتداء من تاريخ الانفصال بالطلاق، تبدأ المدة فان جاءت به خلال عشرة أشهر فالولد لأبيه طبقا لأحكام نص المادة 43 قانون الأسرة. أما إن ولدته قبل نهاية عدتها الثابتة من تاريخ النطق بالطلاق وكانت المدة بين مدة الدخول بها وتاريخ ميلاد الطفل أقل من ستة أشهر فانه لا ينسب لأبيه لمخالفته نص المادة 42 قانون الأسرة التي تقضي “أقل مدة الحمل ستة أشهر، وأقصاها عشرة أشهر” وهي المدة المتفق عليها عند أئمة المذاهب الفقهية الأربعة بلا خلاف لثبوتها بالنص الشرعي.
فإذا فرضنا أنها لم ترفع الأمر إلى القاضي ولم يفعل زوجها ذلك فإن تاريخ ثبوت الانفصال بينهما يكون بالبينة ومتى حصلت الولادة في خلال عشرة أشهر، كان الولد لأبيه حتى لو صرحت بانتهاء عدتها منه بعد الفراق طالما أنه ولد قبل ستة أشهر من تاريخ التصريح بانتهائها واعتبارها كاذبة لأن المدة بين الولادة والدخول هي المعتبرة في هذه الحالة. وفي غيرها تنطبق الأحوال السابقة، ويثبت تاريخ الميلاد بشهادة القابلة وشهادة الطبيب إن تمت في المشفى وإلا كان القول البينة حتى لو كانت من أهل الزوجة على أن تتعدد النسوة.
(ث)-نسب ابن المتوفي عنها زوجها: عدة المتوفي عنها زوجها هي أريعه أشهر وعشرا وفقا لأحكام المادة 59 قانون الأسرة وما جاء في القرآن: ” والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) سورة البقرة – الآية 234
فان جاءت بمولود خلال مدة لا تزيد على عشرة أشهر فانه ينسب لأبيه طالما أن هذه المدة تحسب من تاريخ الوفاة، وفقا لأحكام المادة 43 قانون الأسرة.
أما ان جاءت بمولود بعد مرور ستة أشهر من تاريخ نهاية العدة التي تحسب من تاريخ الوفاة فان مجموع أربعة أشهر وعشرا مضافة إلى ستة أشهر على الأقل تصبح عشرة أشهر وعشرة أيام وهنا تزيد المدة عن نص المادة 43 قانون الأسرة ، علما بأن تاريخ الوفاة ثابت وتاريخ الميلاد كذلك بشهادة وفاة الأب وشهادة ميلاد الطفل وهنا يحتمل حصول تحايل من الزوجة التي قد تسلم نفسها لشخص آخر بهدف تحقيق ميراث أكثر وهي الحالة التي لم يذكرها القانون تفصيلا ويمكن أن نردها إلى إحدى الحلول التي أوردها علماء الاسلام في المنظور الفقهي فقد اختلفوا في أقصى مدة الحمل:
– الاحناف جعلوها سنتين.
– الشافعية قدروها بأربع سنوات.
-المالكية أقصى مدة الحمل هي سنة قمرية. القول للفقيه محمد بن عبد الحكيم.
وعليه فالمولود ينسب لأبيه أخذا بهذا القول، ولأن المشرع الجزائري بتحديده المدة بعشرة أشهر اجتهادا لا يمنع من العودة إلى الشريعة الاسلامية حسب نص المادة 222 قانون الأسرة : (كل مالم يرد النص عليه في هذا القانون يرجع فيه الى احكام الشريعة الاسلامية) ولكن نشترط في الأخذ بها الشروط التالية:
(ث1)-أن يثبت بأدلة مادية كعلاجها السابق عن وفاة زوجها من مرض في رحمها الذي كان معطلا عن الانجاب أولا يقبل الحمل.
(ث2)-أن تكون شهادة الطبيب موقعة من محلف مختص يؤكد العلاقة بين المرض الذي عالجت منه وتأخر الوضع بعشرة أيام عن المدة القانونية.
(ث3)-أن تكون علاقة السببية قائمة بين المرض وتأخر الوضع أو بين الدواء الذي كانت تتناول و جهاز الرحم.
(ث4)-أن يكون العلاج في المصحات الاستشفائية في قسم النساء وبمتابعة متخصصين في طب الولادة.
(ث5)-أن لا يلجأ القاضي إلى تطبيق هذا الاستثناء إلا إذا كانت الأدلة قوية
ودامغة وإلا فيما جاء به النص أي عشرة أشهر.
ذلك لقناعة الجميع بأن أغلب نساء العصر يلدون في حدود تسعة أشهر فاقل، أما من يتجاوزن هذه المدة فهي نسبة ضئيلة، أي أنه نادر إلى درجة العدم.
2- الأسباب الكاشفة للنسب: أباح القانون للشخص أن يثبت نسب شخص آخر منه كأم تدعي بنوة طفل معين أو أب يدعيها أو يقوم الابن بادعاء أمومة امرأة معينة أو أبوة أب معين وسمي ذلك إقرار أو دعوى النسب في الفقه كما أجاز القانون لشخص أن يدعي أخوة أو عمومة شخص آخر، ويمكن أن يثبت النسب في كل الأحوال:
(أ)- البيئة وهذا ما يجعل النسب يكشف بعد أن كان ناشئا من قبل و لكنه مجهول في نظر القانون فلم يلحق الولد بأبيه أو بأمه أو بهما معا وهو ما يعرف باللقيط أي مجهول النسب.
(ب)-الإقرار بالبنوة: وهو إعلان الشخص صراحة أن شخصا معينا هو منه سواء كان المقر (المصرح) رجلا أو امرأة و سواء كان المقر له ذكر أم أنثى.
والإقرار اعتراف صريح من الأب أو الأم ببنوة المقر له وتتم بقوله: ” هذا ابني ” أو ” هذه ابنتي “ واشترط الفقهاء أن لا يقول ” هذا ابني من زنا ” أو هذه ابنتي من زنا، لأنه أن قال هذه الكلمة بطل النسب بينهما حيث الاصل النعمة لا تثبت بالجريمة.
وليس مجرد إدعاء الشخص بنوة آخر تثبت له وإنما لابد من توافر شروط تسمح بقيام أسباب تصديق هذا الإقرار وهي:
(ب1)– أن يكون الولد مجهول النسب من جهة الأب إن كان الذي يدعيه رجلا ومن جهة الأم إن كانت التي تقربه امرأة، فلو كان المقر له بالبنوة معلوم النسب فلا يصح ذلك الإقرار له لأنه يصبح تبني وتنطبق عليه المادة 46 قانون الأسرة (يمنع التبني شرعا وقانونا) ويعتبر ابن الملاعن في حكم معلوم النسب فلا يجوز ادعاؤه أو الإقرار ببنويه لاحتمال تكذيب الملاعن نفسه.
(ب2)- أن يكون هذا الإقرار مؤيدا بمقتضى العقل السليم والعادة المعمول بها في الناحية حسب نص المادة 44 قانون الأسرة (يثبت النسب بالإقرار والبنوة أو الأبوة أو الأمومة لمجهول النسب ولو في مرض الموت متى صدقه العقل أو العادة) أي وجود الأدلة العقلية والعرفية إلى جانب هذا الإقرار .
(ب3) أن يكون المقر ممن يولد لهم ذلك الولد المقر له بالبنوة فلو كان المقر مثلا في سن الثلاثين والمقر له بالبنوة في سن العشرين فإن العقل يرفض هذا الإقرار لتقارب السن فعندما ولد المقر له كان المقر يبلغ من العمر عشر سنوات وهذا ما عبرت عليه المادة 44 قانون الأسرة بقولها: “متى صدقه العقل“.
(ب4)-أن لا يصرح المقر أثناء إقراره بأنه ابنه من زنا فإن قالها فقد اعترف بجريمة زنا لا تصلح سببا للنسب والحديث ” وللعاهر الحجر “.
(ب5)-لا حاجة لتصديق المقر له بالبنوة سواء كان مميزا أو غير مميز لعدم اشتراط القانون ذلك فقد نصت المادة 45 قانون الأسرة على أن (الإقرار بالنسب في غير البنوة والأبوة والأمومة لا يسرى على غير المقر إلا بتصديقه) فيكون قد استثنى الإقرار بالبنوة من التصديق.
(ب-6)- الإقرار بالأبوة والأمومة: الإقرار كما عرفناه من قبل هو تصريح الشخص بأن شخصا معينا له به علاقة قرابة، وهو في متناول الأب والأم لفائدة الابن كما يصح للابن أن يقر بأمومة امرأة أو أبوة أب، وذلك بشروط:
(ب6-1)- أن يكون المقر مجهول النسب من جهة الأب إن كان يقر بالأبوة أو مجهول النسب من جهة الأم إن كان يقر بالأمومة.
(ب6-2)-أن يوجد بينه و بين المقر بأبوته أو أمومتها فارق في السن يسمح باعتباره مولودا له ويقبله العقل المادة 45 قانون الأسرة.
(ب6-3)-أن يصدق الرجل الذي أقر له الأبوة أو المرأة التي أقر لها بالأمومة وهو شرط لا يمكن تخلفه لإمكان التصديق من المقر له.
(ب6-4)-إذا صرح بالأبوة أنها من زنا لا يثبت نسبه منه بخلاف الأم فإن قال أنها أمه من سفاح وتوفرت فيها الشروط السابقة فإن نسبه منها يثبت حيث ترث ابنها اللقيط.
(يتبع)